حليم وزكي عندما تتطابق رحلة العمر في زمنين مختلفين
الحقيقة أنه لا يوجد تشابه بين اثنين من الفنانين العرب مثلما هو بين حليم وزكي وإذا تأملنا مسيرة النجمين الأسمرين نجد هذا التشابه كبيرا وواضحا بدءا من معاناة الفقر في الصغر وانتهاءً بالصراع مع المرض اللعين الذي لم يُمهلهما ليرحلا، لتبقى أعمالهما خالدة ولا تنسى.
واللافت أن كلا النجمين وُلد في محافظة الشرقية وعاش طفولة تعيسة مليئة بالمرارة فقد توفيت والدة عبد الحليم وهو لايزال طفلاً صغيرا وتوفي والد أحمد زكي وهو لا يزال طفلاً يبحث عن الحنان وكلاهما حضر من محافظة الشرقية إلى القاهرة بحثا عن النجومية، واستطاع كل منهما بالفعل أن يحجز لنفسه مكانًا تحت الشمس.
عبد الحليم حافظ، عاش ومات وهو يحلم بالاستقرار الأسري في حين عاش أحمد زكي حياة زوجية غير مستقرة حيث اشتعلت الخلافات العائلية مع زوجته الفنانة المعتزلة الراحلة هالة فؤاد وتمّ الطلاق بعد زواج قصير أثمر ابنًا واحدًا هو الفنان الشاب هيثم زكي.
وجمع بينهما أيضًا التشابه الخارجي في الشكل حيث كانا قريبي الشبه ببعضهما، بل ويجتمعان أيضًا فى تشابه اللقب فقد حقق كلاهما نجومية هائلة كسرا بها نموذج البطل شديد الوسامة فوجد فيهما الكثيرون نموذجا للشاب المصري العادي الذي استطاع أنْ ينطلق في عالم السينما والغناء ويغير الكثير من قواعده القديمة، فلُقب حليم بالعندليب الأسمر بينما لُقب أحمد زكى بفتى الشاشة الأسمر.
ويجمع بينهما أيضًا أنّ حياتهما الاجتماعية قبل الوصول للشهرة مأساوية بدرجة كبيرة فقد عانى حليم كثيرا ليصل للنجومية والشهرة ولعل ما ظهر في فيلم حليم الذى جسده أحمد زكى ما يبرز ذلك بدرجة كبيرة فمنذ دخول العندليب الأسمر للمدرسة، تَجلى حبه العظيم للموسيقى حتى أصبح رئيسًا لفرقة الأناشيد في مدرسته ومن حينها وهو يحاول الدخول لمجال الغناء لشدة ولعه به والتحق بمعهد الموسيقى العربية قسم التلحين عام 1943م حين التقى بالفنان كمال الطويل حيث كان عبد الحليم طالبًا في قسم تلحين وكمال في قسم الغناء والأصوات، وقد درسا معا في المعهد حتى تخرجهما عام 1948م ورُشح للسفر في بعثة حكومية إلى الخارج لكنه ألغى سفره وعمل 4 سنوات مدرسا للموسيقى بطنطا ثم الزقازيق وأخيرا بالقاهرة ثمّ قدم استقالته من التدريس والتحق بعدها بفرقة الإذاعة الموسيقية عازفًا على آلة الأبواه عام 1950م.
وتقابل حليم مع صديق ورفيق العمر الأستاذ مجدي العمروسي في 1951م ببيت مدير الإذاعة في ذلك الوقت الإذاعي فهمي عمر اكتشف العندليب الأسمر عبد الحليم شبانة الإذاعي الكبير حافظ عبد الوهاب الذي سمح له باستخدام اسمه "حافظ" بدلا من شبانة.
الإذاعي الكبير حافظ عبد الوهاب الذي
وزكي لم يكن طريقه إلى عالم الفن مفروشًا بالورود اكتشف موهبته منذ أن كان فى التعليم الأساسى والثانوى الصناعى ليصبح في فترة وجيزة هاويًا للتمثيل والإخراج المسرحي على مستوى طلاب المدارس ليأخذه ولعه بالفن إلى المعهد العالي للفنون المسرحية الذي تخرج منه عام 1973م من قسم التمثيل بتقدير ممتاز ويُطل على الجمهور للمرة الأولى في مسرحية "مدرسة المشاغبين" مع ملوك الضحك ليُشكل الدمعة فى جنة الضحك من خلال دور الطالب الفقير.
ولكن يبدو أن الفقر كان حقيقة تكاد تُطيح بحلمه، لولا عشقه للفن ضاقت به الدنيا واشتدت عندما احتاج لـ 10 جنيهات كسلفة من مُنتج أول عمل مسرحى يشارك فيه وكان سمير خفاجة ولكن قوبل الطلب بالتجاهل، وبعد إلحاح من المقربين وافق الأخير على منح زكى السُلفة لتهون عليه نفسه ويمزقها فى مشهد درامي مؤثر أمام الجميع، بعدما أمسك بالعشرة جنيهات ووجه لها حديثا "انتي اللي ذلتينى وخليتي خفاجة يبيع ويشتري فيّا" ثم يُمزقها قطعًا كثيرة أمام أعين الجميع.
وكلاهما سهلت له مجانية التعليم الدخول فى عالم الفن بدون أي وساطة وكلاهما أصبحا "مرجعية" فنحن لا شعوريا نقيس أي مُطرب بعبد الحليم حافظ رغم أن غيابه مر عليه ٤٢ عاما ورغم ذلك لا يزال هو الترمومتر وأحمد زكي أيضًا غاب عنّا لفترة ١٤ سنة ولا يزال هو ترمومتر مقياس أداء أي ممثل فأي ممثل نراه نقول أين هو من أحمد زكي.
ومن أهم القواسم المشتركة بين النجمين الأسمرين علاقتهما الوطيدة بكل من الفنانة الراحلة سعاد حسني - سندريللا الشاشة العربية - والشاعر الكبير صلاح چاهين فقد عمل أحمد زكي مع سعاد حسني في أفلام عدة هي "شفيقة ومتولي" و"موعد على العشاء" و"الدرجة التالتة"، و"الراعي والنساء" ومسلسل "هو وهي"، وقد تحدثت الإشاعات عن وجود قصة حب بينهما نفاها أحمد زكي بنفسه لكنه لم ينكر علاقته القوية بها حيث قال: "صدقوني مهما قُلت وتحدثت عن سعاد حسني لن أوفيها حقها ومهما وصفت الحالة التي كنت عليها بعد رحيلها، لن أستطع أنْ أصف لكم انهياري وحزني وإغلاقي على نفسي باب غرفتي وقتا طويلاً".
أما حليم فقد كان يرتبط بعلاقة حب مثيرة مع السندريللا وقد تزوجا سرًا كما شاركا في فيلم "البنات والصيف" ولعبت سعاد دور شقيقته فيه.
وقد ارتبط كلا النجمين، بعلاقة خاصة مع الشاعر الراحل صلاح چاهين الذي تبنى زكي في بداية عمله بالفن وأصر على أن يُشارك سعاد حسني في فيلم "شفيقة ومتولي" الذي كتبه كما كتب له مسلسل "هو وهي" وكتب چاهين أيضًا عددًا من أغاني حليم.
وكلاهما خضع لجراحة عاجلة على يد الجراح نفسه فالذي عالج أحمد زكي في بداية الألفية الثالثة، هو نفسه الذي عالج حليم في السبعينيات من القرن الماضي، وأسهم القدر في اهتمامه بصحة زكي بعد أعوام على رحيل حليم وبالمُلابسات نفسها أيضًا رَحبّ زكي بالعملية على الرغم من خطورتها مُسلّما أمره ومصيره لله وهو ما فعله العندليب ما دفع الطبيب المعالج إلى التأكيد على تشابه شخصيتيهما واتسامهما بالشجاعة في هذا الجانب تحديدًا
أكد كلا النجمين أنّ الموهبة لا تموت، فالعملاقان الأسمران، ليسا مجرد مطرب وممثل تصادف ذكرى رحيلهما في الأيام الأخيرة من شهر مارس كل عام "حليم 30 مارس" و"زكي 27 مارس" بل هما نجمان فوق العادة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق